ـ مسائل حسابية :
من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي ( عليه السلام ) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة و دقة . . . و لا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : " سلوني قبل أن تفقدوني " . و في هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام ( عليه السلام ) : و في أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه و أحكامه . و من هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول . و سنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .
و من هذه المسائل المسألة المنبرية و المسألة الدينارية و قصة الأرغفة و غيرها .
المسألة المنبرية :
و خلاصة هذه المسألة أن الإمام عليّاً ( عليه السلام ) سُئل و هو على المنبر عن ميّت ترك بنتين و أبوين و زوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . و سميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها و هو على منبر الكوفة .
و الفريضة هنا ( أي المال الذي تركه الميت ) هي أربعة و عشرون ، للزوجة ثمنها ( أي ثلاثة ) و للأبوين ثلثها ( أي ثمانية ) و للبنتين الثلثان ( أي ستة عشر ) . فضاق المال عن السهام ( أي نقص المال عن الحصص المفروضة ) ، لأن الثلث و الثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة و الثمانية و أنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . و يبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . و هي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . ( و العول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت و هو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض ) .
فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة و العشرين ثلاثة تصير سبعة و عشرين للزوجة منها ثلاثة و للأبوين ثمانية و للبنتين ستة عشر . و الثلاثة هي تسع السبع و العشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . و إما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين .
المسألة الدينارية :
يقال : إن امرأة جاءت إلى الإمام ، و شكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، و لم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة و ابنتين و أماً و اثني عشر أخا و أنت ؟ فكان كما قال . و هنا تتجلى قوة علمه و حدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، و ليس فقط ذلك ، بل العلاقة فيما بينهم و جنسهم و حصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف و أخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة ( أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة ) . و خلّف أُماً لها السدس ، مائة ( أي سدسي الستمائة هو مائة ) ، و خلّف زوجة لها الثمن ، خمسة و سبعون ( أي ثمن الستمائة هو خمسة و سبعون ) . و خلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران و لكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية . و لذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة و هو المبلغ الأصلي .