، ليس غريباً أن يكون الإمام علي ، عالماً متمكناً في العلوم الفقهية و اللغوية و أوليات علم الحساب التي تخص عمليات توزيع الإرث و تحصيل الزكاة و حل بعض المسائل الحسابية المتضمنة كسوراً ، و هو الذي تربى في أحضان النبوة و نهل علمه منها ، حيث يقول الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه و آله ) : " أنا مدينة العلم و علي بابها ، فمن أراد العلم فليأت
عاقل في علمه و ثروة الجاهل في ماله . و يقول أيضاً : كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع به
أولاً ـ نهج البلاغة :
إن خطب الإمام و رسائله و وصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد و الكسور و وحدات قياس الطول و تعبيرات رياضية ، و فيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها و كبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، و فكّرت في أخبارهم ، و سرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم
و ذكر الواحد و الاثنين في وصية له ( عليه السلام ) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، و اجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، و مناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن
و ذكر الثلاثة و الاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة و اثنتين : صم ذوو أسماع ، و بكم ذوو كلام ، و عمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ، و لا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم .
و قال ( عليه السلام ) و هو يذكر الرقم أربعة : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، و من أعطي التوبة لم يحرم القبول ، و من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، و من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة
و في الرقم خمسة قال ( عليه السلام ) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، و لا يخافن إلاّ ذنبه ، و لا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول " لا أعلم " ، و لا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، و عليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، و لا خير في جسد لا رأس معه ، و لا في إيمان لا صبر معه ] .
و السبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت
و من العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج : مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، و لا يهلك منكم عشرة .
و قد ورد أيضا ذكر العشرين و الستين في خطبته و هو يحثّ على الجهاد و يذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! و هل أحد منهم أشد لها مراسا و أقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، و لكن لا رأي لمن لا يطاع .
و من المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة ، و لا عن فئة تهدي مائة و تضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها .
و من الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم .
و ذكر القرن ( و هو مائة عام ) في خطبة الأشباح بقوله : و لم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، و يصل بينهم و بين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد ( صلى الله عليه و آله ) حجته ، و بلغ المقطع عذره و نذره .
الكسور :
و الكسور هنا كالخمس و الثلث و النصف ، الخ . . . فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي ( صلى الله عليه و آله ) و الأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، و الفئ فقسمه على مستحقيه ، و الخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، و الصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها
و قد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : و صلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل .