إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد مضت الإشارة إلى الأساليب التربوية في توجيه يعقوب الرفيق "يا بني لا تقصص رؤياك... "، ونقف في هذه المقالة مع بعض الأساليب التربوية في قول يعقوب الذي حكاه الله تعالى في قوله:
"وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث".
إن يعقوب - عليه السلام - أدرك بأن ابنه انشغل بهذه الرؤيا، فلابد أن يكون قد شده قوله: "لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين"، فأراد بعدها أن ينقل الابن من ما قد يجول بخاطره من أفكار إلى أمر آخر بعيد.
أراد أن يخرجه أن يخرجه مما يسمى بالاستغراق في اللحظة الحاضرة إلى معنى بعيد جداً؛لأنه لو ترك ابنه أيضاً على ما ذكره له ونقلته الآية الأولى لبدأ الابن يتساءل لماذا لا أقصص رؤياي؟ لماذا يكيد لي إخواني؟ لماذا، لماذا، لماذا؟ أسئلة أصغر من عمره، فناسب أن ينقل ذهنه نحو معنى مشرق، فقال له: "وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك كما أتمها على أبويك" الآية.
والدرس التربوي في هذه الآية هو أنك إذا رأيت إنساناً قد حزبه أمر فأهمه فسارع بنقله إلى جانب آخر مشرق يبعث في نفسه التفاؤل ويقوده إلى الاطمئنان ويحثه على العمل الدؤوب، انقله إلى ما يقود إليه هذا الأمر الذي حزبه من خير وأره الجوانب المشرقة في النازلة.
وقد كان ذلك من منهج نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ففي صلح الحديبية -وهو من أشد ما مر على الصحابة رضوان الله عليهم- عندما جاء سهيل بن عمرو، نقلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نقلة عجيبة، فقال: سهل أمركم سهل أمركم.