القصه التي جرت بين سيدنا علي (ع) والمنجم سرسفيل الفارسي
-----------------------------------------
لما قصد امير المؤمنين علي (ع) أهل النهروان و صار بالمدائن خرج إليه قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى ( سرسفيل) و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين (ع) .
قال : له يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت ؟
قال : و لم ذاك يا دهقان ؟
قال : يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاستخفاء والجلوس و إن يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان و شرف فيه بهرام في برج الميزان و اتقدت من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان فتبسم أمير المؤمنين (ع) ...
ثم قال : أيها الدهقان المنبئ بالأخبار و المحذر من الأقدار ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل في السرطان ؟
قال : سأنظر ذلك و استخرج من كمه أسطرلابا و تقويما
ثم قال له أمير المؤمنين (ع) أنت مسير الجاريات؟
قال : لا
ثم قال (ع) : فأنت تقضي على الثابتات ؟
قال : لا
قال : فأخبرني عن طول الأسد و تباعده من المطالع و المراجع و ما الزهرة من التوابع و الجوامع ؟
قال : لا علم لي بذلك
قال : فما بين السراري إلى الدراري و ما بين الساعات إلى المجرات و كم قدر شعاع المبدرات ؟ و كم تحصل الفجر في الغدوات؟
قال : لا علم لي بذلك
ثم قال : فهل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصين و انقلب برج ماجين و احترق دور بالزنج و طفح جب سرانديب و تهدم حصن الأندلس و هاج نمل الشيح و انهزم مراق الهندي و فقد ديان اليهود بأيلة و هدم بطريق الروم برومية و عمي راعب عمورية و سقطت شرفات القسطنطنية أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أوغربيها من الفلك ؟
قال : لا علم لي بذلك
ثم قال : و بأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيها تنحس من تنحس ؟
قال : لا علم لي بذلك
ثم قال : فهل علمت أنه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم ؟
قال : لا علم لي بذلك
ثم قال : يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق و ظهر تلألؤ شعاع المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و أشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال و يموت هذا فإنه منهم .
فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فأخذه شيء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته .
فقال : (ع) يا دهقان أ لم أرك غير التقدير في غاية التصوير ؟
قال : بلى يا أمير المؤمنين
قال : يا دهقان أنا مخبرك أني و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب أن تحكم معه لي لأن نوره و ضياءه عندي فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولدها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار
قال : لو علمت يا أمير المؤمنين ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة
و مضى أمير المؤمنين (ع) فهزم أهل النهروان و قتلهم و عاد بالغنيمة و الظفر
فقال : الدهقان ليس هذا العلم بما في أيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء .
فمثلما هو واضح لقد فات هذا المنجم الكثير من قرائه السماء وهناك حوادث مشهورة لمنجمين اخطأوا بسبب قله العلم والخبرة مثل القصه التي سأذكرها هنا :
اخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس و ليس هو الخوارزمي قال حدثني يحيى بن أبي منصور قال دخلت أنا و جماعة من المنجمين إلى المأمون و عنده إنسان قد تنبأ و نحن لا نعلم و قد دعا بالقضاة و لم يجيئوا بعد .
فقال لي و لمن حضر من المنجمين اذهبوا فخذو طالعا لدعوى رجل في شيء يدعيه و عرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه أو كذبه .
و لم يعلمنا المأمون أنه متنبئ فجئنا إلى بعض تلك الغرف فأحكمنا الطالع و صورناه فوقع الشمس و القمر في دقيقة واحدة و سهم السعادة و سهم الغيب في دقيقة الطالع و الطالع الجدي و المشتري في السنبلة ينظر إليه و الزهرة و عطارد في العقرب ينظران إليه
فقال كل من حضر غيري كل ما يدعيه صحيح و له حجة زهرية و عطاردية
فقلت أنا هو في طلب تصحيح و تصحيح الذي يطلبه لا يتم و لا ينتظم
فقال من أين
قلت لأن صحة الدعاوي من المشتري في تثليث الشمس و تسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة و هذا يخالف هبوط المشتري و المشتري ينظر إليه نظر موافقة إلا أنها فاسدة بهذا البرج و البرج كاره له فلا يتم التصديق و التصحيح و الذي قالوا من حجة عطاردية و زهرية إنما هو ضرب من التحسين و التزويق و الخداع .
فتعجب المأمون و قال لله درك ثم قال أ تدرون من الرجل .
قلنا لا .
قال هذا و يزعم أنه نبي .
فقلت يا أمير المؤمنين أ فمعه شيء يحتج به .
فسأله فقال نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شيء و يلبسه غيري فيضحك و لا يتمالك من الضحك حتى ينزعه و معي قلم آخذه فأكتب فيه و يأخذه غيري فلا تنطلق إصبعه فقلت يا سيدي هذه الزهرة و عطارد زور عمله بهما فأمره المأمون أن يفعل ما كان ففعل فعلم أنه علاج من الطلسمات فما زال به المأمون أياما كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة و وصف الحيلة التي احتالها في الخاتم و القلم فوهب له ألف دينار ثم أتيناه بعد فإذا هو أعلم الناس بالنجوم .